الخطاب الدينى الإسلامى وشروطه
لكل دين خطاب ولكل خطاب منهج وموضوع ،
منهج الخطاب الإسلامى هو العقل
وموضوعه نص القرآن ومضمونه وطبيعته كرسالة للبشر كافة ، وقد جمع القرآن بين الاثنين الموضوع والمنهج فى
آن واحد ؛
القرآن هو كلام الله تعالى المنزل على محمد والمكتوب بين دفتى المصحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس ومجموعه 114 سورة ، وهو المنزل باللفظ و المعنى ، والمنقول إلينا بالتواتر .
والقرآن ليس اللفظ فقط وليس المعنى فقط ، بل هو اللفظ والمعنى معا ، وهو رسالة الله إلى كل البشر ونزل بلسان عربى مبين ، ولذلك لا يصح أن يقال عن كتابة معانيه بغير اللغة العربية أنها قرآن أو أنها نصوص مقدسة ، وتفاسير القرآن بألفاظ أخرى بالعربية لا يصح تسميتها قرآنا ولا يصح أن نقول عنها إنها نصوص مقدسة لا تمس ولا تنقض ولا تنتقد . والقرآن له معنى واحد غير متغير لا بالزمان ولا بالمكان .
ويحتوى المصحف بمقتضى آية سورة الحجر رقم 87 { وَلَقَد آتَيْنَاكَ سَبْعَاً مِنَ المَثَانِى وَالقُرْآنَ العَظِيمَ } على معجزتين للرسول بترتيبهما فى الآية :
ـ المعجزة الأولى هى السبع المثانى وهى افتتاحيات السور الـ 29 التى تبدأ برموز وجمل من اللغة المصرية وهو معجزة لأنه كلام الله يتحدى به يهود الجزيرة فى لغتهم ، بل ويتحدى كل اليهود فى لغة توراتهم الأصلية التى تنزلت على موسى عليه السلام باللغة المصرية القديمة وليس باللغة العبرية ، وقد جاءت آية سورة طه 133 { وَقالُوا لوْلا يَأتينا بآيَة مِن رَّبِّه أوَلمْ تأتهِمْ بَيِّنةُ مَا فِى الصُّحفِ الأولَى } دليلا ناصعا على بيان هذا .
ـ والمعجزة الثانية هى القرآن العظيم وهو ما اشترطت عربيته البينة بمقتضى إحدى عشرة آية فى القرآن وهو معجزة لأنه كلام الله يتحدى به العرب فى لغتـــــهم .
والقرآن هو الدستور الذى وضعه الله لعباده فقضى به على الضلالة وبدد به ظلمات الجهالة { يَا أهْلَ الكِتَابِ قَد جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرَاً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَد جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مَبِينٌ يَهْدِى بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ ِمَن الظُلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } سورة المائدة 15 .
والقرآن خطاب عقلى بحت لأنه عقـد بين الله والبشر ، افعل ولا تفعل ، افعل كذا تثب وتفز بكذا ولا تفعل كذا فتعاقب بكـــذا ، فهو خطاب العقل الإلهى إلى العقل البشرى ، ولهذا فهو خطاب يتمتع بالعلمية والمنهجية فى أكمل صورة
وقد ارتكب الأقدمون جريمة كبرى فى حق الإسلام والقرآن وما يزال المحدثون يرتكبون نفس الجريمة بأن وصم كلاهما الإسلام بأنه " عقيدة " وصدَّروا هذا المفهوم إلى الآخر الذى لم ير فيه بناء على هذه الوصمة إلا صورة لما هو محرف ومزور عنده ، فرفض الآخر أن يعترف بأنه كلام الله الذى كله عقل ومنطق ، وبالتالى رفض أن يؤمن به ويتبعه ، فكلمة عقيدة فى لغتنا وفى اللغات الأجنبية تشوبها شائبة أنها ليست عقلية وليست منطقية وليست موضوعية .
وقد نسخ القرآن ما قبله من كتب ونسخ الإسلام كل ما سبقه من ديانات وبناء عليه فلا يصح أن يتحاور الإسلام مع ديانة أخرى بالندِّيَّة ، والذين يطالبون بأن تقوم الديانات الأخرى وتتعايش جنبا إلى جنب مع الإسلام هم قوم فرض عليهم الخوف وفرضت عليهم السياسة طوقها أو مع سوء النية هم قوم مأجورون هدفهم إفساح مجال لديانة أو أخرى لتقف جنبا إلى جنب على أنها صحيحة إلى جانب الإسلام ، والحقيقة أن هذا غير مقبول شرعا وعقلا .
ولا يجب أن نوكل أمر الدعوة إلى مسلمة الغرب ، من أمثال هؤلاء : الفرنسى روجيه جارودى ، الذى ادعى أنه أسلم ولكن تصوره للإسلام مشوب بشوائب وشبه ، فهو يريد أن تقف الأديان كلها جنبا إلى جنب على أنها كلها صالحة ومقبولة ، ولا يقول بتحريف التوراة كما قال عنها القرآن ، ولا يقول بوجود شوائب فى المسيحية الحالية كما قال عنها القرآن ، ولا يقول بنسخ الديانات السابقة وتقادمها بعد ظهور الإسلام ولم أجده فى كتاباته مرة يشير إلى شىء محرف أو مزيف فى التوراة ، ومع ذلك نجد منا من يدعمه ويؤيده سواء ماديا أو معنويا ويفخر به لأنه أعلن إسلامه بينما أفعاله تدل على عكس ذلك ، ففى مؤلفاته لا يتعرض للتوراة الحالية بل يحاول أن يجد فى التوراة ما يتفق مع القرآن وكأنه يريد أن يثبت صحة القرآن الصحيح بالتوراة المزيفة المحرفة .وهذا فى حد ذاته جريمة .
ولم تتوان دول عربية كثيرة فى دعم الرجل ماديا ومعنويا ونشر أفكاره الغريبة الهادمة للدين الخاتم الناسخ لما قبله ، ولا تتوانى دولة إيران الإسلامية فى قبول الرجل واحتضانه واحتضان آرائه الغريبة ودعمه ماديا ومعنويا ، فهل هذا معقول ، ألم يفهم علماؤنا حقيقة الرجل ، ألا يفهم علماء إيران نوايا الرجل ؟.
ودعم أمثال هؤلاء لا علاقة له بالدعوة فى الإسلام .
فهل هذا هو خطابنا الإسلامى أن ندع مثل هؤلاء يعبثون بديننا ،
والأسس التى يجب أن يقوم عليها الخطاب الدينى الإسلامى :
1ـ أن القرآن خطاب العقل الإلهى إلى العقل البشرى والقرآن رسالة عقلية بحتة
2ـ أن القرآن له معنى واحد فى كل زمان ومكان ، فلا يتغير معنى النص القرآنى كل حقبة من الزمن ، لأن كلام الله لا يتغير ولأن الله لا يتغير وهذه شروط الرسالة أن يكون لها مدلول ومعنى واحد ، وليس القرآن "حمال أوجه" كما يدعى كثيرون ، فللقرآن معنى واحد لا يتغير .
3ـ أن الإسلام نسخ ما قبله من أديان صحيحة وغير صحيحة
4ـ أن الكتب التى يطلق عليها التراثية ليست هى العلم الدينى ، وليس كل ما فيها الفهم الصحيح للإسلام بل إنها مليئة بالغث والسمين ويجب تنقيتها أو التغاضى عنها وبحث وفهم القرآن من جديد على الأسس السابقة ، أما الذين ينادون بأن العلم هو فى تلك الكتب فيجب محاربتهم بالعلم والمنطق إلى أن ينتهوا ويسلموا بالمنهج الصحيح
5ـ أن كتب الحديث الصحيح منها وغير الصحيح ما تزال تعج بافتراءات على رسولنا الكريم لأن جامعى الحديث لم تكن أدواتهم كافية لأداء المهمة على خير وجه ، ويجب تنقية الحديث ليس فقط ببحث صدق رواته فقط بل يجب أيضا بحث الحديث فى متونه وإقصاء ما لا يتفق مع روح القرآن وشخص وخلق الرسول
6ـ فتح باب الاجتهاد بشروطه وعدم الحجر على نشر أى رأى ولكن فى النهاية تقوم لجنة من العلماء المتنورين بتقييم هذه الاجتهادات والإبقاء على الاجتهاد الصحيح فقط وإقصاء الاجتهادات الغير علمية والغير عقلية والتنويه لذلك .
7ـ بحث القرآن الكريم من جديد بحثا منهجيا وتوضيح ما نسخ من أحكامه حتى لا يأتى واحد منا ويستشهد بآية منسوخة للتدليل على قضية بعينها ، مثال على ذلك : ما يقال فى الجهاد ، فليست كل آيات الجهاد صالحة للتطبيق الآن فقد نسخ بعضها أو أغلبها .
8ـ التصدى لدول إسلامية بعينها تحاول أن تنشر مذهبا بعينه لدوافع سياسية فى باقى الدول الإسلامية المتنورة لتقضى على التنوير فيها حتى لا يؤثر على عروشها وحكامها ومذاهبها ، ونقول لهؤلاء : كفى مزايدة باسم الدين وكفى شراء لذمم المثقفين والعلماء بالمال ، وكفى تخفيا وراء الدين فى تحقيق أهدافكم السياسية والتوسعية.
9ـ ولأن الخطاب الإسلامى قائم على العقل فلا سبيل فى خطاب الآخر إلا بالعقل والحكمة والموعظة الحسنة .
10ـ بعد فهم وتفسير القرآن " التفسير الصحيح " الذى لا خلاف عليه بين الكل والذى يتفق مع عقل ومنطق القرآن هنا فقط نقوم بترجمته للغات الأخرى وليس قبل ذلك لأنه من غير المعقول أن لا أكون قد فهمت بعد النص القرآنى وأقوم بترجمته لأعرضه على الآخر، فإنه لن يرى فى هذا الفهم لآيات الله سوى عدم المنطقية وعدم الموضوعية . من هذه المواضع قول بعض المفسرة أو أغلبهم إن لم يكن كلهم بأن حوت موسى فى سورة الكهف هو سمكة كبيرة مملحة ويقولون بأن تلك كانت معجزة له والواقع يرفض كل هذا الفهم الخاطئ للقرآن لأن لا المكان ولا الزمان كانا يقتضيان المعجزة فى هذه المناسبة ، وشرط المعجزة هو الجمهور ولا يوجد جمهور فى هذا القصة . والمعنى البسيط لكلمة الحوت هنا هو : قارب فى شكل الحوت وهو الذى اتخذ سبيله فى البحر سربا لأن الفتى نسى أن يربطه فى الصخرة واتخذ سبيله فى البحر عجبا لأنه كان الوسيلة الوحيدة فى نظر الفتى التى تحملهم عائدين إلى حيث أتوا .
فكيف وهذا هو الحال نترجم للآخر "الحوت " بأنه سمكة مملحة دبت فيها الحيـاة بعد أن تناولوا منها ربما فطــورهم وما الحكمة هنا التى يقبلها العقل والمنطق القرآنيين ويقبلها الآخر
11- التفريق فى الخطاب الدينى بين الإسلام أو القرآن وبين ما شاع عن تخلف المسلمين وعما ظهر لدى كل فئة من أغاليط وسوء فهم يحسب على الإسلام ، وليس فى الإسلام كهانة ولا قساوسة ولا أئمة معصومون فالكل أمام الله سواء ، وقد فُهمت آية " آل عمران " { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }
على طريقتين كلاهما فاسد : الأول : أن تقوم هيئة شرطية بالقوة بعقاب المتخلف عن الصلاة مثلا وحثه بالضرب على التوجه إلى المسجد ، وهذا يثير الذعر فى الشارع الإسلامى بل ويثير الذعر من هذا الدين لا سيما الآخر من أصحاب الديانات الأخرى
الثانى : أن تقوم فئة ممن يعلمون أو يتظاهرون بالعلم أو يدعونه بأمر الآخرين بفعل كذا أو عدم فعل كذا وكأنهم أوصياء فوق الجميع ، وقد كثروا إلى حد يصعب عدهم ، شرطها سهل جدا "لحية مخيفة ودشداشة " فأنت عالم وداعية
وأقول لهؤلاء وأولئك ، ما هكذا تفهم الآية : فالمعنى الأولى للآية ، فلتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويفعلونه ويأتمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر ، أى يكونون القدوة ولهذا فإنهم المفلحون ، وليس المفلح الواعظ للآخر والذى لا يعمل بما يعظ .
والآية { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .. } أى ستكونون خير أمة خلقها الله أخرجت للناس عندما تأتمرون بالمعروف وتتناهون عن المنكر وتؤمنون بالله الواحد الأحد ، وليس أن تجعلوا من أنفسكم أوصياء على الأخرين تأمرونهم وتنهونهم وتضربونهم وتأمرون بضربهم ، وأنتم ربما كنتم قدوة سيئة ، والله أعلم بما فى الصدور .
12- واجب التفريق بين الغيب وتغييب المعانى : فعندما يقول الله بأن هذا غيب كالساعة والقيامة وما بعد الموت لا يعنى هذا أن القرآن عقيدة خلت من العقل ، بالعكس هذا منتهى العلمية ، لأن الله يذكر عند الساعة هذا غيب وعند المعجزة تلك معجزة وعند قصة أهل الكهف هذا حدث بالفعل وهكذا . ويتغابى البعض قائلا أليست الساعة غيب إذن القرآن لا يفهم بالعقل وحده بل بالقلب والتخمين وما إلى ذلك من مهاترات . أو يقول : هكذا فهمه السلف وكفى ، ونحن لا نفهم فى شئ ولا حق لنا فى الكلام فى التفسير ، وأنا فى رأيى أننا حتى فى اللغة العربية أقدر من السلف في هذا فما بالنا فى باقى العلوم الطبيعية والاجتماعية والرياضية واللغوية والتاريخية والمقارنية والنقدية ..الخ ..وكلها لازمة لفهم القرآن .
تلك وغيرها ما جعل الجهل يخيم على الأمة على مدى ألف سنة ونيف ، فتخلفنا عن الركب فلا يسمع منا الآخر ولا يريد ، فماذا يقول المتخلف للمتحضر المتقدم وهل يسمع ؟!.
13- أن نشرح لأنفسنا وللآخر منهج التدرج فى نزول الأحكام وحكمته وتحديد المنسوخ من الأحكام ، فنريح ونستريح ، ويتضح بناء على ذلك معنى آيات سورة " آل عمران " { هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب } والتسليم بأن الراسخين فى العلم أيضا قد يعلمون تأويل القرآن وتفسيره وفهمه الفهم الصحيح بما أعطوا من الألباب الراجحة .
14- أن يتكلم باسم هذا الدين من هو أهل لذلك وليس كل من هب ودب بعلم وبغير علم بلحية وبغير لحية بعمامة أو بدون ، المهم أن يكون أهلاً له .
ألا هل بلغت
اللهم فاشهد